الخميس، 1 يوليو 2010

في منتهي السعادة .. .. أسعدتني :)



كتب عمر طاهر في جريدة الدستور عدد 29/6/2010 :

سيدي وصالك

صليت الجمعة الماضية إلي جوار قبر النبي- صلي الله عليه وسلم- أحافظ علي صلاتي لكنني منذ فترة أصلي الجمعة في البيت لا لكسل ولكن الاختلاط بنوعيات غريبة من الناس في زحام الجمعة غالباً ما يفسد صلاتي لاستغراقي في تأملهم ..هؤلاء الذين لا يتوقفون عن العبث بجيوبهم للتأكد من وجود المفاتيح، رنات الموبايل الفاضحة، نشاز الأئمة وما يحدثه من تلوث روحاني، آخر مرة صليت فيها الجمعة في المسجد مددت يدي بعد الصلاة لأصافح جاري لكنه امتنع عن المصافحة قائلا: إنها لم ترد في السنة فسألته: (يعني كسفة إيد ممدودالك بالسلام هيه اللي وردت؟).
كل فترة أشعر أن هذه المبررات ضعيفة ومخزية فأصطحب سجادتي وأستقر في أبعد نقطة محاولاً تعويض سذاجة الخطيب بالإكثار من الاستغفار والتسبيح، هذه المرة صليت إلي جوار آلاف الهنود والجنوب شرق آسيويين وكنت سعيدا، منصتا وفي قمة تركيزي ومسحوراً برقة الحذيفي إمام المسجد.
في الطريق إلي المدينة كان قائد السيارة يقود بسرعة 180 كيلومتراً في الساعة كي نلحق الصلاة، فانفجر إطار السيارة، قال السائق: كان منطقياً أن تنقلب بنا السيارة عدة مرات، قلت له: إننا نقطع هذا الطريق لنزور النبي (صلي الله عليه وسلم) وهذا أقل واجب ضيافة قد يقدمه لنا، نزلت لأساعده في تغيير الإطار، كانت الشمس قاسية وكانت أشعتها المنعكسة علي الجبال تكاد تذهب ببصري، لم يتحمل الإطار الفاخر سخونة الأرض لمدة ثلاث ساعات متواصلة، وأرهقتني الساعات الأربع بين اليقظة والنوم في سيارة مكيفة وكدت أصاب بضربة شمس عندما نزلت منها لمدة 3 دقائق، بالنسبة لي عادي.. ولكن السؤال: كيف قطع النبي- صلي الله عليه وسلم- هذا الطريق سيراً علي الأقدام في عشرة أيام؟
فعلها النبي فكان طبيعياً أن تري عشرات الآلاف من مختلف الجنسيات معظمهم لا يعرفون اللغة العربية يتصارعون للفوز بصلاة ركعتين في الروضة الشريفة، كنت فيما قبل أردد كالببغاء "أدي الرسالة وبلغ الأمانة ونصح الأمة"، اليوم أقولها وملأ قلبي اليقين وشفت بعيني أنه (أدي الرسالة ) فعلاً.
كان كرم الضيافة كبيراً، كان محدداً لزمن الزيارة ساعتان قبل العودة إلي مكة، كنت أعرف أنني سأخوض مهمة حربية لزيارة قبر النبي- صلي الله عليه وسلم- وصلاة ركعتين في الروضة الشريفة، هناك من يقضون أياماً في المدينة قبل أن يفوزوا بهذا الشرف، لكنني ومنذ وطأت قدماي أرض الحرم النبوي حتي وجدتني أقول بشكل لا إرادي مخاطباً سيدي النبي (صلي الله عليه وسلم) "سيدي وصالك..زاد عليا حنيني"، وكان سيدي كريماً في وصاله فصليت بالقرب من قبره ثم قمت فوجدت الأمن يزيل في اللحظة نفسها الحاجز الذي يحيط بالروضة، وجدتني مدفوعاً لأستقر أمام منبره، صليت حيث لا أحد يقطع صلاتك بالمرور أمامك، ثم دفعني الزحام المنساب ببطء من جديد لزيارة قبره وقبر الكبيرين أبي بكر وعمر، توقفت حيث لا فرصة للتوقف وسط طوفان البشر الهادر، لكنني فعلتها، مرت أمامي مشاهد كثيرة، صوت من الطفولة يغني "ميتي أشوفك يا نبي يللي بلادك بعيدة "، قريبتي وهي تحكي لزوجة البواب المفرطة في السذاجة والطيبة قائلة إنها زارت المدينة وزارت قبر النبي (صلي الله عليه وسلم) فلطمت زوجة البواب علي صدرها في دهشة وذهول قائلة (هو النبي مات؟). مشهد سيدنا علي وهو يغسل جسد النبي (صلي الله عليه وسلم) بمعاونة أسامة بن زيد والعباس بن عبد المطلب، مشهد سيدنا عمر وهو يشهر سيفه متوعداً من يقول إن النبي (صلي الله عليه وسلم) مات لأنه لم يصدق، مشاهد كثيرة لمداخل بيوت أقاربي وجيراني في الصعيد وقد زينت برسوم لطائرة أو باخرة وأسفلها حاج زار قبر النبي- صلي الله عليه وسلم- وحديث "من زار قبري وجبت له شفاعتي"، إلي أن جرفتني الأمواج باتجاه باب الخروج.
كان كرم الضيافة أكبر من الوصف، خرجت وقد أصبح مقاس روحي «إكس إكس لارج» بعد سنوات في مصر وهي تتراوح ما بين ميديم وسمول، خرجت فرحاً لا أشعر بأي خوف من الآخرة بالعكس أصبحت أشعر بالخوف من الدنيا التي قد تبدد هذة الأنوار، وفي طريق العودة كنت شارداً مع القمر الذي اكتمل فأنار ظلام الصحراء وانساب نوره علي الجبال، كانت رفقة القمر أشبه بالطبطبة، كانت امتداداً لكرم الضيافة ورقة وصال سيدي النبي (صلي الله عليه وسلم)، لاحظ السائق انجذابي فسألني إن كنت سأؤدي عمرة ثانية عند العودة إلي مكة، ابتسمت وهززت رأسي بالموافقة "طبعاً"، فقال لي "عمرة نص رجب".
نسيت من أنا خلال الساعات القليلة التي قضيتها بين مكة والمدينة، نسيت أنه لا طيران من القاهرة إلي المدينة وأنني لابد أن أخرج من بيتي في وسط المدينة محرماً، نسيت تعليقات الأصدقاء المصريين "السكر" الذين قالوا لي "مابتفكرش تحط خطين حمر بعرض لبس الإحرام؟"، نسيت برد الطائرة القارس الذي حطم ضلوعي، نسيت الأقلام التي انهالت علي قفايا وعلي وجهي من كل صوب وأنا أشق طريقي باتجاه الحجر الأسود، نسيت طقطقة مفصل الفخذ أثناء السعي، نسيت أن أعلق لمرافقي علي كون صنفين فقط يحصلان علي امتياز ما في العمرة والحج هما الرؤساء واصحاب الاحتياجات الخاصة (الفرق أن الفئة الأخيرة هناك أمل في شفائها)، نسيت حقائبي التي تأخرت بالساعات في المطار، كنت متوحداً تماماً ولا أري إلا الأنوار في كل مكان.
المرة الوحيدة التي فصلت فيها لمدة ثوان عندما وقف إلي جواري أمام قبر النبي(صلي الله عليه وسلم) رجل مصري بسيط كبير في السن، كان هادئاً ووجهه مريحا ويبدو أنه لم يدر ماذا يجب أن يقول لساكن القبر فرفع يده ملوحاً بالتحية وكله خشوع وصدق قائلا (باشا).

__________________________________________________________________

يا رب أرزقنا زيارته و أوعدنا شفاعته و أكرمنا بجيرته 

هناك 11 تعليقًا:

حفيدة عرابى يقول...

ربنا يسعدك ياشيخة دنيا وآخرة
ويرزقك ويرزقنا بيها مرات ومرات
انا بحاول أشيل الابتسامة من على وشى
وروحى مش عارفة
ممكن أنقلها عندى
موافقة؟
شكرا:)

أميرة يقول...

اللهم آمــــــــــــــــــــين وإياكم يارب والمسلمين جميعا

:) انا قرأت المقالة امبارح كجرنال بايت يعني :) :) بس مقدرتش اتناسي انها اسعدتني و فرحت قلبي جدااااا فبدور عليها كنت والحمد لله لقيتها :)


ربنا يكتبهالنا يارب و يرضيه عنا ان شاء الله :)

غير معرف يقول...

اليس ربنا يكرمك مش عارف ازاى حفيدة عرابى سبقتنى طبعا مش حفيدة اعظم زعيم مصرى .... ربنا يا بنتى يكرمك ويكرمها ويارب ماتحرم حد من زيارة سيدنا رسول الله ... هو انا قلتلك انى عملت عمره بعد نتيجة محمد واستلامه الشغل ولا لا ؟؟؟

أميرة يقول...

لا معرفش دي .. مقبولة ان شاء الله

ربنا يوعدنا جميعا وكل من يهفو قلبه للقائه يارب

Unknown يقول...

شكراً ياأليس
على إعلامنا بها
فعلاً وصف للمكان وللمشاعر
بأمتياز اللهم ارزقنا حج بيتك
وزيارة رسولك صلى الله عليه وسلم

أميرة يقول...

نورتي يا دكتورة :)

ربنا يرزقنا جميعا يا رب :)

مش كل قلب زار وسلم بيعرف يحس ويعبر :)

يارب يوعدنا بسلام

maxbeta3zaman يقول...

ياه.. انه مقال غاية فى جمال الوصف خاصة المشاعر الداخليه دونما انفصال عما يدور فى الجوار ...لقد عشت أحداث مشابهه فى نفس الأماكن لكننى لم اقدر على وصفها مثلما فعل كاتب هذا المقال ..نشكرك على مشاركتنا هذه الفرصة واطلاعنا على هذه السطور الحميمه

حفيدة عرابى يقول...

انت فين وحشتينى

أميرة يقول...

باشمهندس ماكس

لا شكر علي واجب .. انا اللي بشكر عمر طاهر علي نقله الجميل لاحساسه الذي اسعدني جدا ..

و عقبال يارب ما أملي عيني برؤيته :)

ساعات من كتر الفرحة الواحد مبيلاقيش كلام يعبر بيه .. يكفيه احساس بالرضا بيملي قلبه ووجدانه :)

أميرة يقول...

معلش يا أستاذة شغلني الحبيب .. سليم امنياته قبل اي شيء في الدنيا .. أينعم طلعت روحي علي ما ابتديت افهم في الاجهزة دي بس بردة يهون كل تعب علشان عيونه :)

يارب متشوفيش وحش ابدا :)

غير معرف يقول...

اولا يارب تكونى بخير وارجو من الله أن أسمع كل خير عنك تعرفى انا النهارده بكتب زى زمان من بيتى امبارح الساعه واحد ونص ظهرا اتصلوا يى من الشغل وقالولى ان شاء الله هترافق البعثة بتاعة الشركة للعمره يوم20 شعبان طبعا متعرفيش ايه اللى حصللى المهم رغم طول المشوار اكتر من 11 ساعه بالباض لم اشعر به من الفرحه .
بكره ان شاء الله بعد ما اخلص الشهاده الصحيه والتطعيم ساعود لتسليم الجواز والشهاده للشغل .
اللى عاوزه اقوله ليكى انتى ايه ؟؟؟؟؟؟؟ شوفى يا ابنتى ربنا فرجه قريب وكريم وعمره ما بيسيب حد ابدااا شوفتى بقى كنت بتمنى ايه وفى اربع شهور فقط حصل ايه .
تحياتى لك ولكل من يسأل عنى ؟

اللهم اني استودعك قلبي فلا تجعل فيه أحدا غيرك

وأستودعك لا إله إلا الله فلقني إياها عند الموت

وأستودعك نفسي فلا تجعلني أخطو خطوة إلا في مرضاتك

وأستودعك كل شيء رزقتني إياه فاحفظه لي من شر خلقك أجمعين

يامن لاتضيع عنده الودائع