أبانا الذى فى المجلس الأعلى.. اغفر لهم إنهم لا يستطيعون التسبيح بحمدك.. اغفر لهم إنهم ارتكبوا الثورة.. افرج عن ثورتهم المعتقلة فى مدرعة.. واغفر لهم إنهم ارتكبوا الحياة.. ولا تدخل معهم فى تجربة.. لأنهم من اخترعوا الشهادة وعصور الاستشهاد.. لا تجربهم وتراهن على أنهم موتى.. اقرأ تاريخهم لتعرف أنهم ينهضون من بين الأموات.. ويهزمون الموت بالموت.. مثل أوزيرهم الذى قام من بين الأموات.. ووطئ الموت بالموت.. لقد خرجت من رحم الآباء الموتى، وعلى خلسة منهم، أجيال جديدة حية.. تفوق عددك وعتادك وإدراكك.. لقد رضعوا حليب السخط والغضب والفقر والذل والمهانة وعقيدة الموت والشهادة.. لأن كل من حكموهم قد جعلوا نفوسهم حزينة جدا حتى الموت.. وجعلوا حياتهم لا تستحق الحياة.. لا تدخلهم فى تجربة لأنهم سينتصرون عليك بالموت الذى هو صنعتك وحرفتك.. كما هو صنعة وحرفة من حالفتهم من كهنة الموت.. وقد نسيتم أن مصر كائن حى.. وكل كائن حى إن لم يتجدد يموت.. وبعد أن راهن الجميع على موتها.. فإذا بها تنهض من بين الأموات.. لقد قامت قيامة مصر.. ولن توقفها مدرعة.
أبانا الذى فى ميدان التحرير.. ليتقدس اسمك.. لتتقدس روحك التى قدمتها قربانا على مذبح الحرية.. ولم تغنم لنفسك سوى الموت.. قديس أنت فى وطن يأكل لحم القديسين والشهداء ويجرى الصفقات والانتخابات على جثثهم.. ويسكر بدمائهم.. وينام وهو مطمئن بأنه قد أرضى الرب إلهه وأنه قد رضى عنه وأرضاه.. ويصحو فى الصباح التالى ليتوضأ بدمك وينوى الصلاة وينوى أكل لحمك الحى من جديد.. ويغمس إصبعه فى جرحك النازف ويكتب بدمك شعارات حملته الانتخابية.. ويوقع باسمك وباسم الثورة وباسم الله.. تزوير سافل.. أصبحت مستباحا لأنك لم تفرض مشيئتك فى اللحظة التى كان يجب عليك أن تفرض فيها مشيئتك فى الأرض.. وفرحت بخلع الفرعون وسكرت بالفرحة.. فتأجلت مشيئتك.. لا تحزن.. فأكل لحمك وطحن عظامك وفقء عينيك وسحلك وسفح دمك لا يميتك.. الحق أقول لك.. لا يميتك سوى أكل روحك.. فحافظ عليها لتبعث من جديد.. فالروح كائن حى.. والثورة كائن حى.
أبانا الذى فى الداخلية والشرطة العسكرية.. هل أحصيت القتلى؟ هل حاكمت القتلة؟ هل أحصيت مدرعاتك؟ وهل بخرتها من العفاريت التى تسرقها وتهرس بها ورود النيل؟ هل بخرت مصر من العفاريت التى تصوب على قلوب وعيون الورد؟ هل حسبت كم قتلت؟ ألفين؟ حساباتك خاطئة.. كل شاب من قتلاك كان أمامه ثلاثون أو أربعون عاما مما تعدون ليعيش ويعمل وينتج ويحب ويتزوج وينجب ويحلم لمصر، ويحكى لأطفاله الحكايات ويعلمهم رسم العلم وغناء النشيد الوطنى.. فتكون الحسبة ألفى قتيل فى ثلاثين عاما، فتكون النتيجة أنك قتلت ستين ألف عام من عمر مصر، وخصمت من عمرها ستين ألف عام، لكى تعيش بعض المومياوات فى الحكم بضعة أعوام إضافية.. هكذا يكون حساب عمر الأوطان.. فهل اكتفيت من القتل والسحل والتنكيل؟ هل اكتفيت بما رأيته فى الكشف على عذرية العذارى.. العذراء غاضبة.. والمسيح ثائر.. والأمهات ثكلى.. والدم يصرخ بالقصاص.. لا مهرب لكم.. الدم كائن حى.. لا يسقط بالتقادم.
أبانا الذى فى الأزهر.. إلى الخرافة.. القوم راحلون.. والنخل يرفع رايات البشارة.. والغربان السوداء تنعق فوق منارتك.. وتهيل عليها تراب صحراء الربع الخالى والبداوة لتدفنها إلى الأبد.. فهل ستنهض من موتك الطويل.. هل ستبعث من جديد إلى الحياة؟ اخرج من برزخك وانفض عنك تراب موتك.. الأزهر ليس مكانا للكهانة والجمود.. الأزهر روحه مصرية خالصة.. وجوهر الروح المصرية الحية هو السماحة والمدنية.. الأزهر جامعة للعلم.. والعلم كائن حى.. والدين كائن.. واللغة كائن حى.. والفقه كائن حى.. والأزهر كائن حى.. وكل كائن حى إن لم يتجدد يموت.
أبانا الذى فى المجمع المقدس.. فى البدء كان الكلمة.. وأول كلمات المسيح التى غيرت وجه العالم.. أن الناموس كائن حى.. هذا هو جوهر المسيح الحى.. المسيح ثورة على الجمود.. فلماذا لا تضعون قلوبكم على فم المسيح وتسمعون الكلمة التى شخصت جوهر الكون.. الكون كائن حى.. هذه هى رسالة المسيح.. هذا هو المخلص.. وهذا هو خلاصه للعالم.. الناموس كائن حى.. العقيدة كائن حى.. المسيح جوهر حى.. والكنيسة كائن حى.. إن لم تتجدد تموت.
أبانا الذى فى مكتب الإرشاد.. انزل من فوق صليب اضطهادك المخادع.. ولا تضطهدنا باضطهادك.. اترك هذه التجارة.. إنها بضاعة بنى إسرائيل الذين اضطهدوا العالم كله بحجة اضطهادهم الأزلى.. اخرج من حفرة الماضى واخلع عباءته.. واترك وهمك بفرض وصايتك على الأحياء بتعاليم الموتى.. فالشعب كائن حى.. فلا تلعبوا معه دور المخلص.. وتطلبوا منه أن يعود إلى صليبكم الزائف بحجة أن تلك هى مشيئة الرب إلهه.. وتفهمونه أن الرب اصطفاكم وطهركم وفضلكم على العالمين.. وتطلبون منه السمع والطاعة.. لا ترفعونه إلى صليبكم وتقدمون له إكليل الشوك كى ينال الخلاص.. إنكم تلعبون ألعابا قديمة منتهية الصلاحية.. الحق أقول لكم.. إن كل مريض بعقدة الاضطهاد لا يستطيع سوى اضطهاد البشر جميعا بمجرد أن يمكنوه من رقابهم.. ليصبح مثل أى ديكتاتور نازى وفاشى مصاب بعقدة الاضطهاد.. والتاريخ شاهد حى.. التاريخ كائن حى.. والسياسة كائن حى.. والمذاهب كائن حى.. والأفكار كائن حى.. إن لم تتجدد تموت.
أبانا الذى فى جيش مصر.. مصر حزينة جدا حتى الموت.
مقالة بقلم : صلاح متولي
جريدة التحرير
26/12/2